قصة قصيرة: سر السعادة
لطالما راود سعدا هذا السؤال: كيف أعيش سعيدا؟ أ بالمال، أم بامرأة فاتنة، أم بعمل يمنحني قيمة في مجتمعي؟
هاهو يحصل على عمل محترم، وقد بلغ السادسة والعشرين من العمر. نال ديبلوم المحاسبة من خلال دراسته في معهد التكوين المهني قبل ثلاث سنوات من الآن، وظل يبحث عن سر سعادته.
خال أنه قد حصل عليه من عمله، لكن سرعان ما ستتغير نظرته إلى سعادته حينما سيرى جمال سعاد الساحر والفاتن.
تبلغ سعاد من العمر الرابعة والعشرين، طويلة القامة، شقراء الشعر، لها ابتسامة تخلب المتأمل إليها. موظفة معه في الشركة نفسها، بيد أنها تعمل كسكرتيرة.
كانت صورتها لا تفارق مخيلته، حتى حل اليوم المنشود الذي قدر لهما أن يجتمعا تحت سقف واحد.
انتقلا لتمضية شهر العسل في تركيا حبا ورغبة في الاستجمام. أخذا فندقا في العاصمة أنقرة. لم يحسا هنالك بالمتعة التي حلما بها قبل إقلاع الطائرة، فتركيا المسلسلات المدبلجة ليست هي تركيا الواقع، الشيء الذي جعلهما يفكران في العودة إلى الوطن عند أقرب فرصة سانحة.
حملا أمتعتهما وهما بمغادرة الفندق. فجأة رأت سعاد ذلك الممثل التركي الأنيق الذي يلعب دور البطولة في فؤادها، فلطالما حلمت به. أسرعت نحوه متجهة إلى عالم الأحلام والأوهام تاركة وراءها حقائب الهموم وأحزان الحياة.
انتابت الغيرة قلب سعيد، تلك الغيرة التي تسيطر على الرجل الشرقي، فتصرف دون تفكير؛ ولأنه لا يعرف هوية ذلك الشخص، أسرع نحوه غاضبا وانهال عليه باللكمات، فأبرحه ضربا حتى سقط أرضا مغما عليه. ثم تدخل رجال الأمن فأخذوا سعدا إلى مخفر الشرطة ليدلي بأقواله.
حكمت عليه المحكمة بستة أشهر سجنا نافذا، وغرامة مالية قدرها ثلاثة آلاف درهم مغربية. وتخلت عنه زوجته، وطرد من عمله، ففقد بوصلة السعادة، ليعود من جديد إلى الدوامة نفسها.
أيقن أن السعادة لا توجد في مكان أو عند شخص بذاته، بل هي موجودة في داخل كل إنسان؛ إذ يستطيع كل واحد منا أن يخلق سعادته الخاصة بنفسه دون الحاجة إلى شخص معين أو زمان ومكان محدد. فالسعادة تتمثل في الشعور بالسمو، لأنها ذلك الناتج عن سمو الروح والكرامة.
قرر أن يعيش حياته كما هي دون التفكير في أدنى أمر قد يشعره بالضجر. عاهد نفسه ألا يتعبها بالسؤال المعتاد؛ حيث أصبح يعتبره الآن بلا قيمة. لم يحبذ شيئا ولم يرفض بالمقابل شيئا آخر. لم يعد يدافع عن نفسه من جديد، وفقد الثقة في الجميع، إذ شعر بغضب شديد من العالم والناس، ومن مشاعرهم الزائفة. فقرر أن يكون إنسانا ويأخذ حقه من الحياة، ويعيشها كما يريد هو لا كما يريد الآخرون، لكن دون المساس بحرياتهم وحقوقهم.
قرر أن يطمح للمستحيل، لكنه سيستنفذ حدود الممكن.
الأستاذ: أمين الصادقي
ليست هناك تعليقات