قصة قصيرة: الصورة المظللة
الصورة المظللة.
نظرة، وغمزة، ثم حب، تكلل بالزواج، تلكم بداية قصة الثنائي عمر وياسمين اللذان يبدوان من الوهلة الأولى أسعد زوجين في العالم، بالنظر إلى الحب الكبير الذي يكنانه لبعضهما البعض.أقبل عيد الحب فأمطرها وردا و عطرا فياحا، ثم عزمها إلى عشاء رومانسي على ضوء الشموع. قبلت الدعوة دون تردد . تفاجأت بجمال المطعم ورونقه، ومرت الليلة في جو رومانطيقي ساحر يتمنى أن يعيشه كل شخص على وجه الأرض.
انصرف إلى عمله كالمعتاد مرتديا بذلة أنيقة، ودعها بقبلة حارة على شفتيها، دعت له بالصحة والسلامة والربح الوفير، وسير في نجاة وعودة ببهجة.
مرت الأيام، فبدأت علاقتهما تتلاشى شيئا فشيئا، لم تعد كبدايتها جميلة مفرحة ومبهجة، فقد أثر الروتين اليومي عليها، وأحست الزوجة بكثير من الملل، فلم يعد زوجها يهتم بها كما في سالف العلاقة، أضحى مهتما بسعادة الشغل أكثر من اهتمامه باستمرار نجاح علاقتهما. خرج الزوج لعمله كالمعتاد، واتجهت الزوجة نحو السوق لاقتناء مستلزمات البيت من المواد الغدائية، وفي طريق عودتها التقت شخصا كان عزيزا على قلبها، تجنبته وأسرعت في خطاها، لكنه تذكر أجمل الأيام في حياته تلك التي قضاها معها، مما دفعه إلى اللحاق بها .
وضع يده على كتفها، أحست بالحنين والشوق إلى الماضي الحلو في بدايته والمر عند نهايته، لكن سرعان ما استيقظت من غيبوبتها، وأنزعت يده دون أن تستدير لترى من خلفها، ثم انطلقت مسرعة، لم يوقفها سوى نداء صوت مألوف لديها. إنها يد عمر إذن، ياللمفاجأة ! أنهى عمله مبكرا ثم عاد . ولكن تلك الصورة التي رأتها ياسمين في السوق، هل هي متخيلة أم حقيقة؟ ألعبة الذاكرة ستتلاعب بمشاعرها في لحظات الضعف، أم أنها ستقاوم وتنتصر في هذة اللعبة السخيفة في بدايتها، لكن المحيرة في استمراريتها؟
في اليوم الموالي ، سمعت طرقا على الباب، أطلت من فتحته، فشعرت بالصدمة . ماذا يفعل هنا ؟ وكيف حصل على عنواني؟ هل أفتح له أم لا؟ كلها أسئلة دارت في فلك ياسمين. استجمعت قواها وفتحت الباب، فإذا به زوجها عمر. نظر إليها مصفرة الوجه، خائفة و متوثرة، فسألها؛ مابك؟ ترددت ثم أجابت: لا لا شيء، أين، أين مفاتيحك ؟ ورد عليها: لقد نسيتها في السيارة.
تركها واقفة مسمرة بجانب الباب ودخل مسرعا، حمل أوراقا - من أجل العمل - نسيها، ثم انطلق دون اكتراث لحال زوجته التي كانت مفزوعة و متوثرة أيما توثر، فما يحصل معها غريب .
ترى أين اختفى ؟ لطالما أحبته حبا جما . كانت مغرمة به أشد الغرام، لا تنام حتى ينام . يستيقظ على نغمات صوتها الشجي . ألفا بعضهما البعض حتى فرقهما القدر . انتقل للعمل في الضفة الغربية من العالم آخدا معه فؤادها، محطما مشاعرها، مدمرا حياتها .
انتظرت رجوعه بفراغ الصبر بعدما وعدها بذلك، لكن دون جدوى، لتقرر أخيرا أن تمحو ذلك الحب وتدفنه بزواجها من عمر الذي كان نعم الزوج الحسن أخلاقا ومسؤولية، لكن من الناحية العاطفية ظل قلبها معلقا بالماضي رغم محاولات عمر التي لم تف بالغرض. و لم تكن كافية لسد الفراغ العاطفي الذي تركه الحب الأول في قلبها.
عاد شبحه من جديد ليطاردها. اتصل رقم كان مألوفا لديها في الماضي. حملت الهاتف ونظرت إلى الرقم من جديد لتتأكد.
إنه رقم هاتفه. كيف حصل على رقمي الجديد؟ ولماذا يتصل بي؟ لقد مرت عشر سنوات على فراقنا، هل يا ترى مازال معلقا بي؟ أهذه الفترة لم تكن كافية لمحو ماض مشؤوم!
فتحت الخط وتحدثت: ألو، ماذا تريد مني ولم تتصل بي ! ألو، ألو،
أقفل الخط، فظلت في حيرة من أمرها.
ذات يوم، وهي راجعة من السوق رأته ينظر إليها من بعيد، شعرت بخوف شديد وجرت مسرعة نحو بيتها.
أحست أنه يلاحقها، هاهي تجري وهو يركض وراءها. وصلت البيت ففتحت الباب ودخلت ثم أغلقته خلفها، فأحست بعد ذلك بارتياح.
أغمضت عينيها لبرهة، ثم فتحتهما لتراه أماماها؛ كيف دخل؟ ومن أين؟
بدأت في الصراخ: اخرج من بيتي، ماذا تفعل هنا! لا أريد أن أراك مجددا في حياتي فقد انتهى تاريخ صلاحية علاقتنا قبل عشر سنوات من الآن. هيا انصرف دون عودة.
فتحت الباب وهي تنتظر مغادرته. فإذا بعمر يأتي فيجدها على تلك الحال. صدم من هول المشهد. لماذا تصرخ زوجته لوحدها؟ سألها هذا السؤال.
فقدت وعيها وسقطت مغما عليها. أخذها بسرعة إلى أقرب مستشفى.
عادت إلى وعيها بعد مدة ليست بالقصيرة. وسأل عمر الطبيب عن حالها، فأجابه: أظن أنها تعرضت لصدمة نفسية سببت لها هذا الإغماء.
تفاجأ عمر من كلام الطبيب. ما هذه الصدمة التي ألمت بها؟ ومع من كانت تتحدث؟
سأل عمر الطبيب مجددا: هل يمكنني رؤيتها؟
أجابه: طبعا، إن حالتها الآن مستقرة فقد استرجعت وعيها. لكن حاول أن لا ترهقها وتؤثر على حالتها بكثرة الأسئلة.
دخل مسرعا عند زوجته، وأمسك بيدها. ثم قبل رأسها وسألها: كيف حالك الآن؟
أجابت: بخير .
سألها: ماذا حدث لك؟
أجابت: شعرت أن شخصا ما يوجد في البيت. وخفت كثيرا ثم فقدت وعيي جراء ذلك.
رد عليها: لا تخافي يا عزيزتي، فلم يكن أحد في البيت، أظن أنه خيل إليك ذلك، لا عليك، فالطبيب أخبرني أنك بخير. ويمكنك العودة إلى المنزل الآن.
أخذ عمر زوجته إلى البيت بعدما اشترى لها فيتامينات من الصيدلية تساعدها على تجاوز الإرهاق النفسي الذي أصابها.
ازدادت هلوستها أكثر فأكثر. لم يعرف عمر ما عليه فعله، كان يصطحبها مرة كل شهر إلى الطبيب. بقيت على هذه الحال مدة من الزمن ليست بالقصيرة. فقام باتخاذ قرار سيغير مجرى حياتهما.
قام بتغيير مقر سكنهما، فباع منزله واشترى بيتا آخر في موقع جميل وراق يبعث في النفوس الراحة والطمأنينة نظرا لبهائه. شعرت ياسمين بالارتياح في البيت الجديد، وما زاد من ارتياحها أكثر هو بقاء عمر معها معظم الوقت. حيث كلف صديقه أحمد بأعمال تجارته، وأمنه عليها لأنه يثق به، وظل رفقة زوجته يتذكران الأيام الحلوة الأولى التي أمضياها مع بعض قبل أن يشغله عمله ومشقات الحياة عنها.
وقررا أن يسافرا إلى مدينة ساحلية لتمضية عطلة الصيف، فتكلل هذا السفر بمفاجأة سارة هي حمل ياسمين أخيرا بعد طول انتظار دام لعشر سنوات من الزواج.
أنجبت ياسمين بنتا جميلة سمتها: نور.
هذه المولودة الجديدة كانت حقا اسما على مسمى. أنارت حياتهما، وأبهجت خصوصا ياسمين التي عادت إلى وعيها، وحكت لزوجها كل ما حدث، فكان نعم السند لها.
وأمضيا ما تبقى من حياتهما في حب بعضهما البعض، وتربية ابنتهما أحسن تربية، وعاشوا في سعادة ووئام.
النهاية.
الأستاذ: أمين الصادقي
ليست هناك تعليقات